الأربعاء، 16 ديسمبر 2015

عدم اعتبار النظام الانتخابي على أنه الدواء الشافي من كل داء

عدم اعتبار النظام الانتخابي على أنه الدواء الشافي من كل داء


قد تمثل النظم الانتخابية الوسيلة الأمثل لتغيير المعايير التي تحكم طبيعة التنافس السياسي، إلا أنها لا يمكن أن تكون الدواء الشافي لكافة العلل السياسية التي يعاني منها بلد ما. وكثيراً ما يكون للمؤثرات الناتجة عن عوامل أخرى انعكاساتها الأقوى على مسيرة النظام الديمقراطي، خاصةً تلك المتعلقة بالثقافة السياسية السائدة في كل بلد، أكثر من العناصر الإجرائية كالنظام الانتخابي. وقد تحتجب كافة الفوائد المنبثقة عن أي نظام انتخابي، مهما تم تصميمه بكثير من العناية، بسبب التدابير الدستورية غير الملائمة، أو هيمنة قوى تعمل على تعميق الشقاق الداخلي، أو حجم التهديدات الخارجية التي تمس سيادة البلد وسلامته.عدم إهمال متطلبات الاستقرار على المدى الطويل من خلال التركيز على المكاسب الآنية
عندما يتفاوض العاملون بالسياسية حول اعتماد نظام انتخابي جديد، عادةً ما يدفعون باتجاه المقترحات التي يعتقدون بانها تفيد بمصالحهم الحزبية في الانتخابات القادمة. إلا أن ذلك قد يمثل استراتيجية تفتقد للحكمة في كثير من الأحيان، خاصةً في البلدان النامية، حيث يمكن أن يسفر نجاح الحزب الواحد وهيمنته على المدى القصير عن انهيارات سياسية وتخلخل في السلم الاجتماعي على المدى الطويل. ففي المفاوضات التي سبقت انتخابات العام 1994 الانتقالية في جنوب أفريقيا، على سبيل المثال، كان يمكن لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي الدفع نحو الإبقاء على نظام الفائز الأول، والذي كان سيمنحه على الأرجح مزيداً من المقاعد بما يفوق حصته من أصوات الناخبين على المستوى الوطني، لكونه الحزب الأكبر في البلاد دون منازع. إلا أن موقفه المؤيد لاعتماد النظام النسبي، الأمر الذي أدى إلى فوزه بعدد أقل من المقاعد من ذلك الذي كان يمكنه الفوز بها في ظل نظام الفائز الأول، دلّ على رغبة ذلك الحزب في العمل على تحقيق الاستقرار على المدى الطويل على حساب المكاسب الانتخابية الآنية. وبنفس الشكل، يجب أن تكون النظم الانتخابية قادرة على الاستجابة بشكل فاعل والتكيف مع الظروف السياسية المتقلبة ومع نمو الحركات السياسية الجديدة. وحتى في الديمقراطيات الراسخة، فعادةً ما لا يستقر التأييد للأحزاب السياسية الكبيرة لفترات طويلة، بينما تتميز الحياة السياسية في الديمقراطيات الجديدة بدرجات عالية من الحيوية، حيث قد يفقد الحزب المستفيد من الترتيبات الانتخابية في انتخابات ما تلك المكاسب في الانتخابات التي تليها.
العمل على إرساء الشرعية والقبول بين كافة الفاعلين الأساسيين
يجب أن تشعر كافة المجموعات والفئات الراغبة في المشاركة في العملية الديمقراطية بأن النظام الانتخابي عادل ويعطيهم جميعاً فرصاً مماثلة للفوز بالانتخابات. ويتمثل الهدف الأكبر في هذا السياق في العمل على عدم توفير أرضيةٍ للخاسرين لترجمة خيبة الأمل من نتائج الانتخابات إلى رفض للنظام الانتخابي أو لاستخدامه كعذر لزعزعة استقرار النظام الديمقراطي برمته. ففي انتخابات عام 1990 في نيكاراغوا خسر الحزب الحاكم (الساندينيست) الانتخابات إلا أنه تقبل تلك الخسارة، وذلك بسبب إقراره بعدالة النظام الانتخابي بشكل أساسي. أما كمبوديا، والموزامبيق وجنوب أفريقيا، فاستطاعت جميعها إنهاء حروبها الأهلية الدموية من خلال اعتماد إجراءات وترتيبات تميزت بتقبل جميع الأطراف المتنازعة لها.

العمل على زيادة تأثير الناخبين
يجب أن يشعر الناخبون بأن العملية الانتخابية تحقق لهم وسائل للتأثير في الحكومات وسياساتها. ويمكن زيادة تأثير الخيارات التي يمارسها الناخبون بعددة طرق. فقد يمكّن النظام الانتخابي الناخبين من الاختيار بين مختلف الأحزاب السياسية، أو بين مرشحين ينتمون لأحزاب مختلفة، أو بين مرشحي الحزب الواحد. كما ويمكن توفير نظم انتخابية مختلفة للعمل بها في كل من انتخابات الرئاسة، وانتخابات مجلس الشيوخ، وكذلك انتخابات مجلس النواب والسلطات المحلية. ويجب أن يشعر الناخبون بأن لصوتهم وزن حقيقي في التأثير على تركيبة الحكومة، وليس فقط في تركيبة البرلمان المنتخب.

موازنة تأثير الناخبين مع تحفيز قيام الأحزاب السياسية المتماسكة والفاعلة
يجب موازنة العمل على زيادة تأثير الناخبين مع الحاجة للدفع باتجاه قيام أحزاب سياسية متماسكة وفاعلة. إذ قد ينتج عن إعطاء الناخبين أعلى درجات الخيار بين المرشحين من مختلف الأحزاب السياسية إلى إفراز برلمانات متفسخة ومنقسمة لا تحقق لأحد الفوز بالنتائج المرجوة. ويتفق علماء السياسية على اعتبار قيام الأحزاب المتماسكة والمستندة إلى قواعد واسعة من المؤيدين كأحد العناصر الهامة في نشوء الديمقراطيات الفاعلة والمستدامة.
شمولية النظام الانتخابي
يجب أن تقوم النظم الانتخابية على أساس من الشمولية، سواء أكان ذلك في المجتمعات المنقسمة أو الأكثر تجانساً، بحيث تعمل على إفراز برلمانات تتمثل فيها كافة المصالح. وبغض النظر عن ارتكاز الأقليات إلى هويات أيديولوجية، أو عرقية، أو عنصرية، أو لغوية، أو مناطقية، أو دينية، فإن استثناء مجموعات هامة من الرأي العام من التمثيل في البرلمان المنتخب، خاصةً في البلدان النامية، من شأنه أن يسفر عن نتائج كارثية.

الاهتمام بطريقة اختيار النظام كعنصر أساسي
تلعب الطريقة التي يتم من خلالها اختيار النظام الانتخابي دوراً هاماً في التأكيد على شرعيته. إذ ينتج عن اختيار النظام الانتخابي من خلال عملية تشارك فيها كافة المجموعات المعنية، بما في ذلك جمهور الناخبين، مستويات أعلى من تقبل الناتج النهائي للعملية، مما لو تم ذلك من خلال عملية ينظر لها بأنها تنحصر في التعبير عن مصالح حزبية أو فردية فقط. وعلى الرغم من عدم إمكانية تفادي الاعتبارات والمصالح الحزبية في معرض اختيار النظام الانتخابي، إلا أن اختيار نظام يتمتع برضى مختلف الأحزاب وأوسع شريحة ممكنة من الرأي العام يعتبر أمراً مفصلياً في تقبل ذلك النظام واحترامه من قبل الجميع. ولقد تطلب التحول من نظام الفائز الأول إلى نظام العضوية المختلطة في نيوزيلندا على سبيل المثال إلى إجراء استفتائين عامين عليه، مما أسهم في إضفاء الشرعية على النظام الجديد. بالمقابل، نتج عن قرار الحكومة الإشتراكية في فرنسا عام 1986 في التحول من نظام الجولتين إلى نظام نسبي أن ساد انطباع بأن ذلك القرار استند إلى اعتبارات حزبية محضة، وسرعان ما أعيد النظام السابق فور فقدان الحكومة للسلطة سنة 1988.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق