المقاعد الفردي المنسية:
عملت لجنة الخمسين على التمييز الإيجابي
لفئات ستة من مكونات المجتمع المصري - لأول مرة في تاريخ الحياة الدستورية
والنيابية المصرية- حيث أكدت المادة (3) من قانون مجلس النواب على يكون انتخاب
مجلس النواب بواقع (420) مقعدًا بالنظام الفردي، و(120) مقعدًا بنظام القوائم
المغلقة، ويحق للأحزاب والمستقلين الترشح في كل منهما. وقد نص القانون في مادته
الرابعة على أن تقسم الجمهورية إلى (4) دوائر تخصص للانتخابات بنظام القوائم، يخصص
لدائرتين منهما عدد (15) مقعدًا لكل منهما، ويخصص للدائرتين صاحبة عدد (45) مقعدًا
لكل منهما...وينتخب عن كل دائرة منها عدد الأعضاء الذي يتناسب وعدد السكان
والناخبين بها، بما يراعي التمثيل العادل للسكان والمحافظات، والمتكافئ للناخبين.

وبناء عليه، يمكننا القول أن الأحزاب أو
التحالفات انشغلت بمقاعد الانتخابات بنظام القائمة فقط دون الفردي لعدة أسباب،
منها ما يلي:
1- ضمان التمثيل:
لأن بعض النخب التي تسيطر على الأحزاب تريد أن تضمن لها موطئ قدم داخل البرلمان،
بدليل أن بعض الذين خاضوا انتخابات 2012 على المقاعد الفردي يخوضون الانتخابات على القوائم، بعد فشلهم في
التواجد داخل دوائرهم أو على الأقل الاستجابة لاحتياجات المواطنين داخل هذا
الدوائر. في حين أن البعض الأخر منهم، الذي قرر أن يخوض الانتخابات على المقاعد
الفردي، يريد أن يخلى الدائرة تمامًا من مرشحين أقوياء محتملين بالاتفاق مع
الأحزاب، بدليل أن بعض من يديرون عملية هندسة التحالفات غير منتمين لأحزاب سياسية
حتى هذه اللحظة، ويفضل أن يظل مستقلاً بعيدًا عن التحزب.
2-التحرر من المسائلة:
ففي ظل عدم القدرة على التواجد بين المواطنين، حيث تتطلب الدوائر الفردية قدرة
كبيرة على الحركة داخل الدائرة، والقدرة المالية لمحاولة تنفيذ بعض الخدمات العامة
والخاصة داخل الدائرة، في حين أن القائمة المغلقة، تجعل النائب يتحرر من المسئولية
أمام الناخب أو على الأقل إلا يخضع تحت طاولة ضغط ضرورة إنجاز أية مشروعات على
المستوي الدائرة.
3- قوة العصبيات والعائلات:
حيث يكون من السهل بمكان على المرشح المستقل المنتمي لعائلة أو قبيلة أن يفوز في
الدوائر الفردي أكثر من غيره، وهو ما جعل أغلب الأحزاب تلجأ إلى رموز العائلات لكي
تتقدم للترشح على قوائمها أو تحت رايتها.
4- عدم قدرة الأحزاب على تقديم
مرشحين محتملين: وهو ما جعل الأحزاب السياسية أن تلجأ ليس فقط
للمرشحين المنتمين لكبار العائلات أو العصبيات ولكن لبعض نواب الحزب الوطني المنحل
لاستكمال القوائم أو للتقدم لبعض الدوائر الفردي.
5- غياب التحالفات الإسلامية: وهو
ما أدى إلى تركيز الأحزاب على بناء التحالفات دون الفردي. ففي الوقت الذي قادت فيه
الأحزاب ذات المرجعية الدينية (الحرية والعدالة والنور) عملية بناء التحالفات في
عام 2011، غابت تمامًا عن المشهد في هذا الانتخابات، وذلك لأول مرة في تاريخ بناء
التحالفات الانتخابية منذ عام 1984. حيث تشهد الأحزاب الإسلامية مأزقًا حقيقيًا في
تكوين تحالفات انتخابية مع بعضها بعضًا أو مع بعض القوى المدنية، وذلك نظرًا لعدة
اعتبارات، منها: أولاً أن الأحزاب ذات المرجعية الدينية تفككت ولم تعد تشكل كتلة
صلبة واحدة. ثانيًا، هروب أغلب القيادات العليا لهذه الأحزاب إلى الخارج (قطر
وتركيا)، أو الزج بهم إلى السجون لارتكابهم أعمال عنف أو التحريض عليها. ثالثًا،
إعلان بعض الأحزاب ذات المرجعية الدينية عن مقاطعتها العملية الانتخابية مثل حزب
"البناء والتنمية" ومصر القوية والوطن، تحت دعوى أن المشاركة في العملية
الانتخابية هي اعتراف بالعملية السياسية بعد 30 يونيو. وأخيرًا، الخوف من العزل
الشعبي، خاصة في ظل حالة الغضب الشعبي الجم على جماعة الإخوان وممارساتها الداخلية
والخارجية، وفي ظل استقواء الجماعة بالخارج على الدولة المصرية، ومحاولة عرقلة
إعادة البناء والأمن مرة ثانية من خلال المظاهرات التي تخرج بها الجماعة بين
اللحظة والأخرى، والتي تستغلها وسائل الإعلام المملوكة للجماعة والداعمة لها في
الخارج على تصوير المشهد في مصر بحال عدم اللا استقرار في مجافاة حقيقية للواقع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق