الخميس، 5 نوفمبر 2015

الانفصال الذي أصاب الثورة المصرية بين المسار الثوري والسياسي

لم تتمكن التنظيمات اليسارية في الاستفادة من الزخم الموجود في الشارع والذي كان يعبر عن ميل يساري عبر شعاراته وأفكاره

فالانفصال الذي أصاب الثورة المصرية بين المسار الثوري والسياسي، إضافة الي القادمون الجدد بروح الميدان ليمارسوها داخل الأحزاب، كانت الإشكاليات الأكبر في مواجهة اليسار المصري، أدى على ارتباك تنظيمي ما بين خبرات العمل تحت نظم قمعية بأسقف منخفضة تحت شعار " السياسة فن الممكن" وطموحات ثورية لشباب شعرهم "يا نجيب حقهم يا نموت زيهم"... وما بين هاذين الشعارين من تباين من الانبطاح للوضع القائم الى قمة الراديكالية كانت أزمة التنظيمات اليسارية في فترة حكم المجلس العسكري
ان كل الفرصة المهدرة من قبل الثورة مرورا بكافة المراحل التي تناولتها الورقة، يؤكد ان ازمة اليسار المصري ازمة ذاتية تتعلق ببنيته وقدراته وميراثه التاريخي، أكثر من كونها أزمة موضوعية تتعلق بالسياق والظرف السياسي المحيط، وعلى المهتمين بهذا التيار القيام بجهد جماعي عابر للانقسامات داخل اليسار على المستوى النظري لتطوير اطروحات متنوعة تتعلق باليسار كفكر وتنظيم، يستطيع من خلالها التغلب على نقاط الضعف الذاتية ليتمكن من الاستفادة من الفرص المتاحة موضوعيا.
لذا فان الخط الثابت الذي يمكن تتبعه عند مختلف الأحزاب والتنظيمات اليسارية يعبرعن عدم قدره على التطوير النظري وعن ارتباك تنظيمي أكثر مما يعبر عن ثبات في الموقف والمبادئ، وهو ما قاد التنظيمات اليسارية في مصر ما بعد الثورة إلى عدة إشكاليات أبرزها

·        تحول التنظيم إلى غاية: في ظل هذه الوضعية تحاول كل مجموعة لم شملها عبر تأسيس تنظيم/ حزب ويصبح المقياس هو مدى حجم هذا التنظيم للتباهي وليس مدى ارتباطه بالواقع، ويكون التجنيد هو مقياس الوصول على الناس، وليس التأثير والفاعلية. فتحل الخلافات التنظيمية لاحقا بديلا من التطوير على المستوى البنيوي والنظري. وكان من أبرز تجليات ذلك محاولات التملص من المسئولية حفاظا على التنظيم مثلما حدث مع اليسار الديمقراطي بعد دخول افراد من الحزب للحكومة بالادعاء انهم لا يمثلون الحزب، أو رفع شعارات تستند على تحريك الجماهير في حالة التيارات الثورية دون القدرة على تحريك الجماهير وحشدهم بالقدر الكافي مثل تجربة حزب العمال والفلاحين التي لم ينجح التيار الاشتراكي الثوري في إنجازها.
·        عدم القدرة على استيعاب الشباب الجدد: ملايين من الشباب الذي كان في الميادين كان يمثل ذخيرة جديدة لليسار، إلا انه مع الوضعية السابقة كان من الصعب إدماج قطاعات عديدة من اليسار في هذه التنظيمات، كما شهدنا كثيرا منهم من من انضموا إلى أحزاب والتنظيمات قد هجروها لأنها لم تتمكن من تلبية احتياجاتهم سواء على المستوى النظري المتعلق بأفكار المرتبط بالواقع المعاش والسياق الحالي، او بنوية بإدماجهم في هياكل الأحزاب بشكل فعال يمنحهم دور ملائم لطموحاتهم. 
·        وهم التوحد: من تأسيس التجمع حتى تأسيس التحالف الشعبي والفكرة هي التوحد الفكري أكثر منه التنظيمي، بمعنى ان يتم جمع اليسار باعتباره تيار واحد في تنظيم واحد يعبر عن التوجه اليساري، وليس باعتباره عدة تيارات تلتقي في تنظيم واحد يتيح لها منابر للحوار والتباين واصدار موقف يعبر عن رؤية مشتركة لهذا التيار.
·        تحول الأيديولوجية إلى عقيدة ايمانية: تجعل أولوية المواجهة للخارجين على العقيدة لأنهم أكبر خطرا في نظر الفكر الدوجمائي على العقيدة من المخالفين لها، وبالتالي يمكننا ان نتبين ان معراك اليسار مع بعضه البعض أكثر من معراك اليسار مع التيارات المختلفة معه، والأخيرة أكثر بكثير من معارك اليسار مع السلطة وسياستها. وهو ما سمح باستقطابهم في الصراع المدني الديني بمعنه التنويري وعدم قدرتهم على طرح رؤية بديلة تستند على ربط السياسي بالاقتصادي والاجتماعي الذي من المفترض ان يمثل نقطة القوة لهذا التيار. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق