الجمعة، 6 نوفمبر 2015

العلاقات المصرية-السودانية الى اين

 العلاقات المصرية-السودانية
                                          الى اين
                                                                                                 20/5/2015                                 م.ق /  ناصر حسن
 المركز العربى الافريقى - مصر
توصف العلاقات المصرية - السودانية على المستويين الشعبى والرسمى دائمًا بالتاريخية، بل وعلاقات الاخوه ولا ننسى ان السودان كانت تخضع لحكم مصر وكانت من احدى الاقاليم المصريه وبحكم عمقها الزمنى وارتباطها الجغرافى، وهو ما انعكس على الروابط السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها، وذلك لم يعن أن تلك العلاقات لم يشبها الضعف من فترة إلى أخري، بسبب تأثير السياسات التى تتبناها بعض القيادات السياسية فى الدولتين.
إجمالاً يمكن القول أن السودان ومصر تجمعهما روابط ذات خصوصية تفرضها عوامل الجغرافيا ويلعب التاريخ فيها دورًا بارزًا، وإستراتيجيًا تنعكس التطورات فى السودان على الأمن القومى المصرى بصورة مباشرة وغير مباشرة، وبدرجة أقل يتأثر السودان بالتحولات فى مصر، ونحن هنا نتحدث عن الأمن القومى بمعناه الواسع والعميق، ولذا هناك مصير مشترك ومترابط إلى حد بعيد.
وعلى الرغم من فتور العلاقة على المستويات الرسمية بسبب الأزمات والخلافات فى وجهة النظر السياسية بين الجانبين، إلا أن العلاقات على المستويات الشعبية وغير الرسمية تظل شديدة الترابط، وهو العامل الذى يفتح المجال بصورة دائمة لتجاوز الخلافات السياسية وإعلاء المصالح المشتركة.
 فقد استقبلت مصر أول زيارة خارجية بعد ثورة 25 يناير من الرئيس السوداني عمر البشير, كما كانت أول زيارة لعصام شرف رئيس الوزراء الانتقالي إلي السودان أيضًا، حيث قوبل بحفاوة شعبيًه  تعبر عن ابتهاج الشعب السوداني بالثورة المصرية.
فالبلدان يمثلان امتدادًا مشتركًا فيما يتعلق بالبعد الأمني والغذائي والاقتصادي، حيث تمتد الحدود المصرية - السودانية على طول يبلغ 1273 كم.
ومن ثم ترسخت عدة مبادئ تعد حاكمة للعلاقات بين القاهرة والخرطوم، وأهمها مايلي:
1-   الإدراك الجماعى لكلا النخب السياسية الحاكمة فى كل من مصر والسودان لأهمية العلاقة.
2-   تغليب مبدأ الحوار والتفاهم بدلاً من الصراع والتصعيد.
3-   تجنب التدخل فى الشأن الداخلى فيما يخص الطرفين، أو حتى مناوءة السلطة القائمة أو السعى لتغييرها.
4-   تجاوز الخلافات فى الأيدولوجيا أو المرجعيات الخاصة بنظم الحكم فى البلدين.
مثلت ثورة 25 يناير متغيرًا مهما تم به تجاوز الآثار الإيجابية والسلبية للعلاقات بين مصر والسودان خلال فترتي حكم الرئيس عمر البشير والرئيس المصرى الأسبق محمد حسنى مبارك، ومن ثم شهدت العلاقات تطورًا مهمًا تجسد فى محاولة العبور فوق جسر الأزمات الذى أعاق تطور العلاقات، لاسيما على المستويين السياسى والاقتصادى.
ووقعت مصر في اجتماعات اللجنة العليا المصرية السودانية عدة اتفاقيات، شملت الإعداد لمشروعات هامه مشتركة في مجال الأمن الغذائي وتشجيع الاستثمارات بين البلدين في مختلف المجالات. وعودة بعثة جامعة القاهرة فرع الخرطوم، واهم هذه الاتفاقات بحث مشكلة مياه النيل والسعي لحل الخلافات بالحوار والتفاهم بين دول الحوض
وكذا التفاوض على استكمال مشروع الشراكة المصرية-السودانية للتكامل الزراعي في النيل الأزرق، لزراعة ١٦٠ ألف فدان.
 والمقرر زراعة محاصيل القطن، وزهرة الشمس، والذرة الرفيعة، والسمسم، على أن يقسم الإنتاج بين الدولتين إلى جانب إجراء الدراسات المتعلقة بجدوى تنفيذ مشروع "أرقين" على المنطقة الحدودية بين البلدين، بهدف استصلاح وزراعة مليوني فدان، وكان لمجال الإنتاج الحيواني نصيب كبير من التعاون المشترك، حيث اهتم خمسة مستثمرين مصريين بدراسة إقامة مشروع لتربية الأبقار بمنطقة الجزيرة بالسودان، بما يجعل سعر الكيلو للمستهلكين لا يزيد على 28 جنيها.
وكان للإزاحة حكم الإخوان فى مصر بعد 3 يوليو 2013 قد أثار حفيظة الإسلاميين فى السودان، لا سيما أن تلك الإزاحة بدت مصاحبة لعملية سياسية إقليمية أوسع تستهدف محاصرة تمدد الإسلاميين الذين وصلوا إلى السلطة فى بعض دول المنطقة منذ الربيع العربي، باعتبار أن وجودهم يمثل خطرًا على بعض الأنظمة فى الخليج العربى ، أو خطرًا على مصالح الطبقات والنخب التقليدية فى بلدان أخرى ، أو أن مشروعهم يمثل تهديدًا لدول الإقليم ووحدتها، لذا اعتبر النظام فى الخرطوم ما حدث بمصر انقلابًا عسكريًا على السلطة الشرعية، بل واجتهد السودان فى التضييق على نظام 3 يوليو.
بعد ثورة 30 من يونيو، توترت العلاقة، بسقوط حكم الإخوان في مصر ودخلت العلاقات السودانية - المصرية في مربع يمكن أن يوصف بأنه مربع الغموض، ورأت السلطة الحاكمة فى مصر بعد الاطاحة بالاخوان، أن عدم اعتراف السودان بالموجة الثانية من الثورة المصرية التصحيحية يعتبر دعم مبطن للإخوان فى مصر.
وبدأت ملامح انفراج في العلاقة بين القاهرة والخرطوم بزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي
إلى الخرطوم في يونيو 2014، وهو فى طريق عودته من القمة الأفريقية فى مالابو، وتقديمه
الدعوة لنظيره السوداني البشير لزيارة القاهرة.
فبادرت الخارجية السودانية بإصدار بيان تؤكد فيه, أن ما حدث في مصر من تغيير سياسي هو شأن داخلي, وإدراك الخرطوم أن مصلحتها في التقارب مع مصر، وأن التحديات الاقتصادية والأمنية الكبيرة التى تواجه كلا من القاهرة والخرطوم دفعت كلتيهما إلى السعى لتخطى التفاصيل الصغيرة. كما يعكس كذلك وجود الإرادة السياسية لدى الطرفين لتجاوز فترة التوتر الذى أعقب السقوط المدوى للإخوان إثر ثورة ٣٠ يونيو.
ولا يمكن تجاهل حاجة مصر لموقف سودانى داعم لها فى ملف المياه، لا سيما بعدما غيرت السودان موقفها من أزمة سد النهضة تماما وأصبحت فى نفس المربع الإثيوبى، وهو الأمر الذى أضعف موقف مصر التفاوضى بصورة أساسية، وذلك إلى جانب هشاشة وضعها الداخلى وتاثيره على مضى الإثيوبيين قدما فى مشروعهم دون اكتراث بالتحفظات المصرية.
فضلاً عن بعض الحفوافز المالية التي تم وعد السودان بها من قبل دول الخليج فى حالة تطبيع العلاقة مع مصر، بجانب تطورات الأزمة الليبية وتداعياتها الأمنية والسياسية على البلدين.
وفى إطار التواصل السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذى تبنته كل من مصر والسودان، بعد عدة اتفاقيات شملت الحريات الأربعة (التملك والتنقل والإقامة والعمل)، ولتفعيل الروابط الاجتماعية والتاريخية بين الدولتين، افتتح فى أغسطس 2014 معبر أشكيت – قسطل الحدودي بين السودان ومصر، على الرغم من تأجيل افتتاحه لأكثر من ثلاث سنوات. وعكست هذه الخطوة رغبة السلطة فى كل من القاهرة والخرطوم في التقارب والتنسيق بينهما في مواجهة تحديات كبيرة تخص الأمن القومي لهما.
وقد أسهم هذا المعبر بشكل كبير فى زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، حيث مثل نقطة مفصلية فى حركة البضائع والركاب وبشكل طبيعي دون توقف منذ افتتاحه. وقد تجنبت القاهرة والخرطوم التطرق لموانئ أخرى أثناء افتتاح المعبر الحدودى خوفًا من إثارة قضية حلايب وشلاتين المتنازع عليها بين الدولتين. ويعد  المعبر خطًا استراتيجيًا ليس لربط الخرطوم والقاهرة فقط، بل سوف يمتد ليشمل دولاً أفريقية أخرى.
وتعول مصر على هذه المعابر فى ربطها بوسط وشرق وغرب أفريقيا عبر السودان، التى تقدر كثافة أسواقها من الناحية الديمغرافية بحوالى 300 مليون نسمة.
 ويعد ذلك أحد البرامج السياسية للحكومة الحالية للرئيس السيسي، وهذا التحرك مرتبط بشقين، أولهما: الاستفادة من زيادة حركة التجارة عبر قناة السويس.
 وثانيهما: تحويل هذه المنطقة إلى منطقة تجارة حرة، تكون مقصدًا لدول وسط وشرق أفريقيا وحلقة اتصال مهمة بالعالم، وتصب فى النهاية فى صالح مكانة ومركز مصر فى الإقليم، وذلك إلى جانب ما ستحققه من مكاسب اقتصادية.
مما دعاكلا من مصر والسودان الى مضاعفة رأس مال الشركة المصرية – السودانية للتكامل الزراعى المملوكة للدولتين، بمساهمة القطاع الخاص، بالإضافة إلى ذلك وضعت الحكومتان خطة زيادة المساحة المستهدفة زراعيًا إلى 150 ألف فدان فى ولاية النيل الأزرق، بدلاً من 60 ألف فدان حاليًا، تتم زراعتها بمحاصيل القطن والذرة والسمسم وعباد الشمس، من أجل سد حاجة السوق المصرية خاصة من مشروعات زراعة المحاصيل الزيتية كعباد الشمس.
واجتاز الامر الى توقيع كل من القاهرة والخرطوم فى مارس عام 2011، حتى الآن تسع اتفاقيات مشتركة ومذكرات تفاهم وبرامج تنفيذية، وشملت هذه الاتفاقيات، إتفاق تعاون بين الصندوق الاجتماعى في مصر وديوان الزكاة والإنماء في السودان، وإقامة مشروع للوقود الحيوي
ومذكرة تفاهم لتبادل المعلومات والبيانات في المجال المصرفي وعودة البعثة التعليمية لجامعة القاهرة للعمل في السودان و تحقيق الأمن الغذائي في القاهرة والخرطوم ، ومذكرة تفاهم في مجال الاصلاح الإدارى والتنمية الموارد البشرية في السودان،والتوقيع على برنامج تنفيذى في مجال الاستثمار ، ولحماية البيئة، و النقل في البلدين، و للتعاون الإعلامى، وأخرى للسلامة البحرية.
برغم من التقلبات السياسية بين الدولتين، ظل الملف الأمنى الملف الوحيد الذى تتعاون فيه الدولتان على المستوى الرسمي بين الأجهزة المعنية، ولم تنقطع هذه العلاقة رغم مرورها بتعرجات ومحطات حرجة ارتبطت بصورة ما بوجود المعارضين فى الدولتين.
عامًا كاملاً من التوتر أصاب العلاقة بين القاهرة والخرطوم، ما بعد 3 من يوليو 2013، إلا أن سرعان ما عادت الدولتان لتوقيع بعض الاتفاقات من أبرزها الاتفاق الأمنى في مطلع العام الحالي، الذى يفند مزاعم القاهرة والخرطوم الخاصة بالمعارضة السياسية المصرية والسودانية، ودعم كل منها الجماعات المعارضة للطرف الآخر. حيث تعد إحدى القضايا المزعجة للخرطوم، والتي تمثل أولوية لها، هى ابتعاد القاهرة عن دعم فصائل المعارضة بشقيها المسلح والناعم وإيوائها، وفى المقابل تريد القاهرة أن تضمن من الخرطوم عدم دعم جماعة الأخوان، وقد نص الاتفاق على التزام الطرفين على تسليم المعارضين بناء على طلب أي منهما.
ولا تقتصر الحسابات الأمنية المصرية على العلاقات الثنائية مع الخرطوم فقط، وإنما تمتد أيضا للأزمة الليبية حيث تتهم بعض الأوساط المصرية السلطات السودانية، بتقديم الدعم والسلاح للميليشيات الإسلامية المتطرفة في ليبيا والتي تراها مصر خطرًا عليها.
كما ترى الخرطوم أن نظام حفتر هو امتداد لنظام القذافى الداعم للحركات الدارافورية المسلحة. ورغم نفي الخرطوم القاطع لهذه الاتهامات فإن هذا النفي لم يبدد الشكوك المصرية.
وفى سياق التعاون العسكرى، فقد نظمت العديد من اللقاءات بين القيادات العسكرية من الطرفين في العام 2014
ويعكس ردود فعل السودان السياسية إزاء التطورات الإقليمية، رغبته المبكرة في التفاعل الإيجابي لتشكيل النظام الإقليمي الجديد ،حيث عاني السودان من الانقسامات العميقة والعداء المعلن جراء موقفه من حرب الخليج الثانية، لذا أصبح هدفه هو تعزيز التعاون ووحدة الصف مع النظام المصري في ظل التحديات الراهنة.
وبذلك قد يكون السودان صحح موقفه مع مصر قبل أن تلحق به العزلة الاقتصادية من دول الخليج. وقد كشف خطاب الرئيس البشير في المؤتمر الاقتصادى الأخير فى شرم الشيخ مارس 2015، عن رؤية السودان الذى يتجه إلى بناء نظام إقليمي مع مصر، ليس لتكريس الاستجابة العسكرية للتحديات الأمنية التي قد تطرأ كما يحدث في اليمن الآن، بل إلى إحياء التعاون العسكرى والاقتصادي بين القاهرة والخرطوم، وإنشاء الآسواق المشتركة وتحقيق الأمن الغذائي، وهي المبادرة التي ظل يقدمها السودان لمصر طوال السنوات الماضية. فقد كان السودان الحليف الوحيد لمصر بعد اتفاقية كامب ديفيد للسلام فى ظل مقاطعة عربية شاملة.

يستنتج من هذا إن العلاقات المصرية-السودانية بحاجة إلى رؤى جديدة، مغايرة للرؤي القديمة التي لم تعد صالحة في الوقت الحالي مع الأوضاع المستجدة الإقليمية والدولية، فالتكامل كان قائمًا بين البلدين من قبل، ولم ينتج شيئًا يذكر، كما أنه محمل بشحنات سالبة بسبب ملاسنات سياسية سابقة. ولكي يتم تجاوز سلبيات العلاقة السابقة، لابد من رؤية اقتصادية واسعة النطاق تنتقل لمرحلة تاريخية تعبر عن المصالح المشتركة والمتبادلة وفق الواقع الحالى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق